إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
57950 مشاهدة
الثابت في أحاديث نزول الله تعالى

وكذلك أيضا اعتقادهم نزول الله تعالى في بعض الأماكن؛ فالثابت أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الله ينزل إلى سماء الدنيا في عشية عرفة، وأخبر أيضا بأنه ينزل في آخر كل ليلة إلى سماء الدنيا، وأنه يتودد إلى عباده يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وأحاديث النزول إلى سماء الدنيا صحيحة؛ ولكن يمرها أهل السنة كما وردت ولا يقولون: إنه يخلو منه العرش، ولا يقولون: إن السماء تحصره؛ بل ينزل كيف يشاء، والذين نقلوا لنا هذا النزول لم ينقلوا لنا كيفيته؛ فنقبله كما نقل.
وكذلك النزول عشية عرفة، ورد أيضا أنه ينزل يباهي بالحجاج ملائكته فيقول: ما أراد هؤلاء؟ فيقول: أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم إلى آخره.
وأما النزول في ليلة النصف من شعبان؛ فالصحيح أنه لم يثبت فيها أحاديث صحيحة، ورد فيها أحاديث ولو صححها بعض من صححها من المتأخرين؛ سمعنا كلام شيخ الإسلام أنها فيها مقال.
الأحاديث التي في فضل ليلة النصف من شعبان؛ الأصل أنها لم يثبت فيها شيء، ولو اشتهرت في هذه الأزمنة في كثير من البلاد، ولو وجد من يفضلها على ليلة القدر، ولو وجد من يحييها ويعظمها، أو يعتقد أن فيها تنسخ الآجال، وتكتب المقادير، وتقدر الأحوال وما أشبه ذلك؛ فكل ذلك على الصحيح غير ثابت؛ ولذلك النزول في ليلتها إلى السماء الدنيا؛ فكلام شيخ الإسلام يظهر منه أنه لا يصحح هذا الحديث؛ فكيف بغيره؟
هذا ما يدور عليه هذا الموضوع، ولو في بقيته تتمة نتعرض لها إن شاء الله فيما يأتي.